ملاحظة: أعمل على الإنتهاء من القسم العربي
من موقعي، و الذي سيكون عنوانه gbzidan.com/arabic. و لكن حتى ذلك الحين، و لعدم
قدرتي على الإنقطاع عن الكتابة حتى يجهز، سأكتب على المدونة القديمة هنا حتى ينتهي
العمل به.
لا يمكن إعطاء صفة واحدة للأخوان المسلمين
كحركة في كل البلدان العربية بسبب أن لكل دولة خصوصيتها، لذلك سأفصل الوضع في كل
بلد على حدة.
مصر
أثبت الأخوان المسلمين بمصر ذكاء حاد لم
أتخيل أن يكون موجود في أي حركة عربية صراحةً. فقد إستخدموا تكتيكات غاية في
الذكاء لم أر مثلها في حياتي سوى في الحركة الصهيونية. و لو كان نصف هذا الذكاء
موجود عند حركة عربية تقدمية وطنية، لأستبشرت خيراً بالمستقبل.
فمن ناحية هم يعرفون كيف يكونوا برغماتيين مع
الواقع المفروض عندما يتطلب الأمر منهم ذلك، و عندما ينقلب هذا الواقع (المجلس
العسكري بهذه الحالة) عليهم، ينقلبون مئة و ثمانون درجة عن تصريحاتهم السابقة و
يجعلون الثوار الغير منتمين لهم يصدقون ذلك. فهم من ناحية يستغلون الثوار بالتركيز
على الفلول كعدو رئيسي عندما يريدون، و بإتهام الثوار بأنهم لا يريدون الإستقرار عندما
يريدون، و باللعب على الشعور الديني للمواطن (كما رأينا بالإستفتاء على الدستور)
عندما يريدون، و باللعب على الشعور الوطني (كما رأينا في مرحلة الإعادة من
الإنتخابات الرئاسية و ما بعدها) عندما تدعوا الحاجة لذلك. فهم يلعبون على أكثر من
حبل، بل و أحياناً في نفس الوقت عبر حركات مختلفة و متناقضة لتصب في مصلحتمه في
النهاية. عمل عبقري بكل ما للكلمة من معنى و يجب أن يدرس فيما بعد.
فلسطين و الأردن
الوضع في المجتمع الفلسطيني معقد جداً و
يختلف عن غيره في باقي البلدان، و ذلك لسببين رئيسيين:
- الشعب الفلسطيني مشرد في أكثر من مكان و ليس لديه دولة واحدة تجمعه. فغير الفلسطينييون في المناطق الفلسطينية التي لا تعتبر إسرائيل (الضفة الغربية و قطاع غزة)، هناك الفلسطينيون الذين بقوا فيما أصبح يعرف لاحقاً بأسم إسرائيل، و هناك الفلسطينيون في مخيمات الشتات (تحديداً لبنان و سوريا)، و هناك قسم كبير و هم الفلسطينييون في الأردن. فلذلك يصعب الحديث عن المسألة الفلسطينية بمعزل عن الأردن، خصوصاً أن أغلبية مواطنين الأردن من أصل فلسطيني.
- إسرائيل: فعلياً، غالبية المناطق التي تواجد عليها الشعب الفلسطيني تاريخياً هي الأن محتلة (أو أصبحت جزء – يعتمد على نظرتك للأمور) من إسرائيل. هذا غير أن إسرائيل تمنع و تضع العراقيل أما قيام دولة فلسطينية، سواءاً عبر الوقوف في وجه الإعتراف بهذه الدولة (أو على مستوى أبسط حتى، مثل إنضمام فلسطين لليونسكو، و الذي عارضته إسرائيل و أمريكا بشدة). لذلك لم تأتي مرحلة أن يكون للشعب الفلسطيني دولة واضحة الحدود يمكن إنشاء دولة عليها حتى ندخل بمرحلة المناوشات السياسية و وضع دستور لها كما في مصر بعد الثورة.
في فلسطين، لا يمكن إعتبار حماس بنفس عقلية
الأخوان المسلمين، و خصوصاً في مصر. فالحركة أكبر مشاكلي معها أن لها الكثير من
التصرفات الإعتباطية الغير مدروسة، سواءاً من توقيت عملياتها، أو بأهدافها، أو من
الهدف السياسي المرجو من هذه العمليات. هذا بالإضافة للتقصير الإعلامي الكبير لهذه
الحركة، و التي تصل أحياناً لعدم القدرة على الرد على الإتهامات الموجهة لها بشكل
بسيط، رغم أني أعرف أنه كان يمكن الرد عليها لو أرادوا. فالحركة تميزت بأسلوب
إعتباطي يفتقر للتخطيط و الذكاء. و كم تمنيت في السابق لو كان لهم حتى نصف ذكاء
حركات مماثلة مثل حزب الله في لبنان و الذي أجاد اللعبة السياسية و الإعلامية لحد
كبير.
في الأردن، ينقسم المجتمع ديمغرافياً بشكا
أساسي لأردنيون من أصل فلسطيني (و يطلق عليهم فلسطينيون في أغلب الأحيان) و
أردنيون عشائريون (سكان الأردن قبل بدء الهجرات الفلسطينية الجماعية في ال1948).
تحسب جبهة العمل الإسلامي (الأخوان المسلمون) على الفلسطينيون، بالإضافة لبعض الحركات
الغير إسلامية ذات التأثير الشعبي الأقل (مثل حزب الوحدة – الذي هو إمتداد للجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين). و في هذا ثلاث مسائل:
- لا أرى الأخوان المسلمون في الأردن بنفس درجة دهاء الأخوان المسلمون في مصر.
- الخيار السياسي في أغلب الأحيان يقع بين الأخوان المسلمون من جهة، و التيارات العشائرية من جهة، لغياب أي تجمعات منظمة تقدمية الطابع. العقلية العشائرية بطبعها قد تكون أكثر محافظة إجتماعياً من الأخوان المسلمين، بالإضافة لتميز طبيعتها بالعنف في التعامل. لذلك لا يوجد وزن سياسي تقدمي يمكن أن يعول عليه الناخب خارج هاتين المجموعتين.
- الأخوان المسلمون في الأردن يدفعون لتعديل قانون الإنتخاب، و الذي هو في وضعه الحالي مصمم لإعطاء الأصوات العشائرية (أقلية عددية) حجم سياسي أكبر من الأردنيين من أصل فلسطيني (و الذين هم أكثر تقبلاً، بحكم الخلفية السسيولوجية الغير عشائرية لهذا المجتمع، لفكرة الدولة المدنية). و من نتائج تعديل هذا القانون (إن تم) أنه سيعطي المجال لحركات مدنية أن تدخل بالتجربة الإنتخابية لتنتج برلماناً يعزز الحياة المدنية و الديمقراطية أكثر مما هو موجود الأن.
في سوريا
في سوريا هنا ثلاث أمور:
- هناك نظام غاية في الإجرام. و الهدف الأول هو إيقافه (إن لم يكن الإطاحة به) قبل أي شيء أخر.
- أثبت الأخوان المسلمون في سوريا ذكاءاً تفوق على أمثالهم في الأردن، و لكن من المبكر أن نحكم إن كانوا في مثل ذكاء أخوان مصر لغياب الأرضية لتجربة سياسية حقة. فهم يحتكرون أغلب مقاعد المجلس الوطني، و لكن يضعون في الواجهة شخصيات علمانية تتلقى اللوم عن كل ما يحصل و يمتصون الغضب الشعبي، في حين يبقى الأخوان في الخلفية سليمين. بالإضافة لتعاملهم مع شخصيات صهيونية، كبسمة قضماني و غيرها، كنوع من ربط المصالح مع الغرب.
- الامر الذي يدعو للقلق أكثر في مرحلة ما بعد الأسد هو الجماعات المسلحة ذات الطابع الديني المتشدد (سلفيو التوجه، متشددون أكثر و أقل برغماتية من الأخوان المسلمون). مما يبدوا حتى الأن، و بغياب كبير للمعلومات الدقيقة من داخل سوريا (سواءاً كان متعمداً أو لغياب التنظيم)، فإن ليس كل من إنضوى تحت مسمى الجيش الحر يحمل نفس الأهداف النهائية و الفكر بالضرورة. فمن الواضح أن هناك نسبة يعتد بها (و نلاحظ هذا الأمر بحمص تحديداً) لها أهداف إقامة دولة دينية أكثر من دولة تضمن الحريات للجميع. هذا الأمر عواقبه غير معروفة لغياب المعلومات الدقيقة من جهة (على عكس باقي الدول)، و لأن هناك متغيرات دائمة الحدوث بالشأن السوري من جهة أخرى.
هذه بإختصار ملاحظاتي عن الأخوان المسلمون في
البلدان الأنفة الذكر.